الرئيسية » » الأيرلندي شيموس هيني يردّ على غيّوفيك... بقصيدة محمد الحموي

الأيرلندي شيموس هيني يردّ على غيّوفيك... بقصيدة محمد الحموي

Written By هشام الصباحي on الأحد، 1 يونيو 2014 | يونيو 01, 2014

ليس مهماً التقديم للشاعر الأيرلندي شيموس هيني (1939) بأكثر من أنه حائز «نوبل للآداب» لعام 1995. لقد قارب عددُ الدراسات عنه وعدد ترجمات أشعاره مذاك التاريخ عددَ قصائده المنشورة، وربما أكثر بكثير. المهم، هنا على الأقل، تقديم هذه القصيدة النافذة في إحدى مجموعاته الشعرية الأخيرة: «سلسلة من بشر» (فيبر آند فيبر، 2010) بما أنها مقارعة أخَّاذة بين شاعرين عملاقين: شيموس هيني ويوجين غيّوفيك. أرض هذه المقارعة الطبيعة بالمعنيَين الحسّي الوجودي (سيتكئ الشاعران هنا على أسماء نباتات وأعشاب وشجر ومناطق بعينها) والبلاغي (يبدو بوضوح إسقاط الشاعران لعلاقتهما بالطبيعة من حيث هي حاضنة للتجربة المعاشة بالعين وللحياة من حيث هي إعادة تأمُّل في ما يفعله البشر بأنفسهم). يستلهم هيني في قصيدة «كتاب تداوي بالأعشاب» قصيدة غيّوفيك «معشبة بريتاني» (1980) بالمعنيين المذكورين آنفاً، لكنه يفارق بين لغته هنا ولغة غيّوفيك فتبدو عباراته، على خلاف قصيدة غيّوفيك، أقصر، إنما أرشق، أسرع، إنما فيها قدرٌ من التأمُّل المدروس بعناية، فيما تجافي أجواء القصيدة النزوع إلى شرح الذكريات وتفاصيلها وتكتفي بحمل خلاصات شعرية صادمة هي مزيج محبَّب من الاشتغال الأدبي الماهر والانسيابية المتقطعة التي لا بدَّ أن تترك قارئها قابضاً على جوهر ما، وباحثاً في الوقت نفسه عن جوهر آخر.

 

كتاب تداوي بالأعشاب

(من وحي قصيدة غيّوفيك: معشبة بريتاني)

 

على مدِّ النظرٍ

نباتاتٌ

تتفتَّحُ بينَ القبورِ،

 

تضربُ جذورها

في كلِّ سلالاتِ

الموتى.

 

*

هل كانَ عشبُ المقبرةِ

في مطرحنا

مختلفاً؟

 

مختلفاً عن عشبِ

حقلٍ عادي؟

 

تذكَّرْ كيفَ رغبتَ

أن يُعدَّ لكَ تقنيُّ الصوتِ

مقطوعةً تتكرَّر.

 

مقطوعةً من صوتِ قدميكَ

في نهاية حقلٍ

حيثُ الرطوبةُ.

 

*

على أنَّها في رخائها

في لكنتها المتسامحةِ

لمْ تتفقِ النباتاتُ

على تسويةٍ، بعدُ.

 

ولا ذيلُ المهرةِ،

ولا الوزّالُ ولا حتى الصخورُ البركانيةُ،

 

لا بدَّ أنَّ سببَ هذا كلّه

ريحٌ.

 

*

لا يعني هذا أنَّ العشبَ ذاتهُ

لا يخْلِدُ.

 

إنما يأخذُ موقفاً هو الآخرُ،

والآن يُيمِّمُ وجههُ

شطرَ الريحِ،

الآنَ يديرُ ظهرهُ.

 

*

«أتراني؟» تتساءلُ

الريحُ.

 

تتأكدُ أني حفظتُ دوريَ جيداً

في معابر العالم.

 

مِنَ الجيدِ أن تكون غيرَ مستقرٍّ

أسمحُ لكَ بذلكَ!

 

امضِ إذاً، يا مواطنَ

الريحِ.

امضِ مع التيَّارِ.

 

*

السرخسُ

أقلّ خيلاء.

 

يُغْلِقُ ويتكوَّر على نفسهِ

يغلقُ ويتكوَّر على أسرارهِ،

 

تلكَ الأكثر حفظاً

على وجهِ الأرضِ.

 

*

وبصراحةٍ،

ثمة شمسٌ أيضاً.

 

ولا في أيِّ مكانٍ آخر

توجدُ شمسٌ كهذهِ التي هنا،

 

صباحٌ مشمسٌ

طيلةَ اليوم.

 

لهذا فإنَّ النباتاتِ،

حتى السرخسُ،

يغويها أحياناً أن تستسلمَ

للثقةِ.

 

*

فوقَ الإسفلتِ المشمسِ،

فوق ذكرياتِ النعشِ

 

في سرعةِ من يمشي

بينَ الحوافِ الناميةِ بشكلٍ زائدٍ،

 

يولدُ الأمواتُ

متجهينَ

نحو المستقبلِ.

 

*

عندما يقرعُ جرسُ الدفنِ

يرتجفُ كلُّ العشبِ.

 

لكنْ عندها فقط.

ليسَ كلُّ مرةٍ يقرعُ فيها

جرسٌ قديمٌ.

 

*

الوزالُ

يشبه ما أهملناهُ

وهو صحبتهمْ،

 

يريهمُ

أنَّ عليهم أنْ يتابعوا التقدُّمَ،

 

أنَّ ما كان قد

استحقَّ العناءَ.

 

وأحياناً

كمثلِ تلكَ الشخصياتِ ذاتها

عندما يكونُ الطقسُ جيداً

 

يغنّي

الوزالُ.

 

*

أبداً، في أيامٍ قادمةٍ،

لنْ يكونَ لفاكهةٍ

 

طعمُ الأرضِ هذه.

كانَ هناكَ صخرٌ رماديٌّ

 

في ثمارِ العلَّيقِ،

ثمة نسغٌ رماديٌّ.

 

*

مرِّرْ يدكَ

في خراجِ السكيبةِ

 

وستلمس الجذورَ،

ثخينةً ونحيفةً.

لكنها جذورُ ماذا؟

 

ذات مرةٍ، تلك عندما رأيتهُ

يستسلمُ،

 

ذيلُ الفأرِ

الذي قتلناهُ.

 

*

كان لنا أعداءٌ،

رغمَ أننا لم نعرفْ لماذا.

 

بينهم

قرَّاصٌ،

 

أشياءٌ خبيثةٌ،

تتسابقُ

لتنامَ.

 

*

أعداء -

جزءٌ من عالمٍ

لم يستطع أحدٌ أن يُفسِّرهُ

إنما على المرءِ

أن يتكيَّفَ معهُ.

 

ثمةَ دائماً أوراقُ حوضٍ

تداوي اللسعاتِ اللعينةِ.

 

*

كان ثمة أوراقٌ على الأشجارِ

وخراجٌ على المصاطبِ الحجريةِ

 

تبوحُ لها

بكلِّ شيءٍ.

 

حتى عن مخاوفكَ

من الليلِ،

 

وحتى

منَ الناسِ.

 

*

ماذا كان الأفضلُ إذاً

 

من أنْ تسحقَ ورقةً أو عشبةً

في راحتَي كفيكَ،

 

ثم أنْ تُلوِّح بها ببطءٍ، بنعومةٍ

بين فمكَ وأنفكَ

 

وتتنفَّسَ؟

 

*

لو كنتَ تعرفُ القليلَ

عن الكونِ

 

إنما ذلكَ بسببِ أنك قبلتهُ

كما هو،

 

حتى وإنْ بدا قاسياً

عندما تنظرُ إلى نفسكَ،

 

إلى جحر الفأرِ

عبر البيقةِ والحوضِ

الذي غطاها.

 

لأنكَ أرحتَ خدَّكَ

على أجمةِ القصبِ

 

ولأنكَ عرفتَ أنَّ الحجرَ الهشَّ سينكسرُ

فوقَ الأرضيةِ الصخريةِ.

 

*

بين الخلنجِ والقطيفةِ،

بين «الفاغنوم» وعشبِ الحوذانِ،

بين الهندباءِ والوزالِ،

بين لا تنسيني وشجيرةِ صريمةِ الجدْيِ،

 

كما بين الأزرقِ تماماً والغائمِ،

بين كومةِ القشِّ وسماءِ الغروبِ،

بين شجرةِ السنديانِ والسقفِ الحجريِّ،

 

كانَ لي وجودي. كنتُ هناكَ.

أنا في المكانِ والمكانُ فيَّ.

 

*

أينَ يمكنني أن أعثرَ عليهِ مجدَّداً،

مكانُ عالمٍ ما، مكانُ الما بعدِ

 

خرائطُ ومجلَّداتٌ جغرافيةٌ،

حيثُ يتشابكُ كل شيءٍ

 

ومن نفسِها أوراقُ العشبِ

تتشابكُ كعشٍّ.

 

ترجمة: م. ح

 

- See more at: http://www.alghawoon.com/article/1420/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8A%D8%B1%D9%84%D9%86%D8%AF%D9%8A-%D8%B4%D9%8A%D9%85%D9%88%D8%B3-%D9%87%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B1%D8%AF%D9%91-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%BA%D9%8A%D9%91%D9%88%D9%81%D9%8A%D9%83-%D8%A8%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9#sthash.Eirrg7WH.dpuf
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads